خلق الله تعالى البشر , وجعلهم شعوبا وقبائل ليتعارفوا وبيّن سبحانه ,ان اكرمهم عند الله اتقاهم فكانوا ممالك وملل وكان لكل مملكة وأهل ملة تاريخ واعتمدت هذه الملل في تأريخها الوقت الذي تبرز فيه حوادث مشهورة عامة وقد خص الله الامة المحمدية بمزية هي انها أمةوسط وهي بالتالي افضل الامم حيث بعث فيها خير النبيين محمد عليه الصلاة والسلام يقول الله تعالى {كنتم خير امة اخرجت للناس }
وعليه كان لا بد لا صحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ان يؤقتوا لتأريخهم وقتا فيه من الحوادث ما يجعلهم في بشر وحبور بل ويكون مما يتبرك به فكان التأريخ من اول العام الذي هاجر فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة الى المدينة المنورة لما حصل بسبب هذه الهجرة المباركة من فتح عظيم وانتشار للدعوة الاسلامية حتى بلغت الشرق والغرب ودخل الناس في دين الله أفواجا .
والاصل ان أبا موسى الاشعري كتب الى عمر بن الخطاب رضي الله عنه انه ياتينا من قبل أمير المؤمنين كتب لا ندري على ايها نعمل قد قرأنا صكا محله شعبان فما ندري اي الشعبان هو ؟اهو الماضي أم الآتي .
وفي الحقيقة أنه من الصعوبة تحديد ذلك، كونه لم يظهر تاريخ يُعتمد عليه لتحديد أي شهر شعبان هو ليوفي من عليه الدين دينه؟ فجمع عمر رضي الله الناس وقال: ضعوا للناس شيئاً يعرفون فيه حلول دينهم واجتمع الناس وكان فيهم كبار صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وصغارهم وفيهم التابعون أجمعون فقال الهرمزان وهو ملك الاهواز وقد اُسر عند فتح فارس وحُمل الى عمر واسلم على يده ان للعجم حسابا يسمونه ماه روز.
ويسندونه الى ما غلب عليهم من الاكاسرة فعربوا لفظة ماه روز بمؤرخ وجعلوا مصدره التأريخ واستعملوه في وجوه التصريف .
ثم شرح لهم الهرمزان كيفية استعمال ذلك فقال عمر رضي الله عنه ضعوا للناس تأريخا يتعاملون عليه وتصير أوقاتهم مضبوطة فيما يتعاطونه من معاملاتهم .
فرأى بعضهم أن يؤرخوا كما تؤرخ الفرس بملوكهم، كلما هلك ملك أرخوا من تاريخ ولاية الذي بعده، وعرض هذا الرأي، فكرهوا ذلك، ومنهم من قال: أرخوا بتاريخ الروم، من زمان اسكندر وكان مصير هذا الرأي كمصير من سبقه، وذلك لطولهما·
وقال قائلون: أرخوا من مولد رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال آخرون: من مبعثه عليه السلام· وأشار علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وآخرون أن يؤرخ من هجرته من مكة إلى المدينة، لظهوره لكل أحد فإنه أظهر من المولد والمبعث·
فاستبشر عُمر بن الخطاب رضي الله واستحسنه هو والصحابة رضي الله عنهم، فأمر عمر أن يؤرخ من هجرة رسول الله صلى الله عيه وسلم وأرخوا من أول تلك السنة من مُحرمها، لأنه اضبط لئلا تختلف الشهور، فإن المحرم أول السنة الهلالية العربية·
هذا ما ذكره ابن كثير (774 هــ) في كتابه البداية والنهاية عن محمد بن عمر الواقدي (207 هــ) في قصة عمر بن الخطاب مع كتابته للتاريخ الهجري·
هذه هي قصة التاريخ الهجري، وهكذا كانت البداية التي انطلقت منها مسيرته، ذكرى تهز القلوب، وعمر وسنون تمضي، شهدت أحداثاً جساما، آمالاً وآلاما، وإن القارئ والمتأمل لكتب التراث والتأريح يجد معظمها قد سار على منهج السنين والحوليات، بل حتى مصلحة البلاد والعباد من خلال دواوين الدولة في الحضارة العربية الإسلامية قد سارت على هذا التأريح الإنساني .