4- ما هو ضعيف لا من ناحية السند، فليس هناك قدح في رجاله، بل من جهة انقطاع يسير في إسناده، كقوله في الزكاة: وقال طاوس: قال معاذ بن جبل لأهل اليمن: ائتوني بعرْض ثياب (قميص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بالمدينة، وقد استدل به البخاري - رحمه الله - على جواز أخذ (العرضْ) في الزكاة، والعرض هو ما عدا النقدين) الحديث، فإسناده إلى طاووس صحيح، إلاَّ أن طاوسًا لم يسمع من معاذ.
القسم الثاني: ما كان بغير صيغة الجزم، كيُروى، ويُذكر، ويُحكى، ويُقال...قال ابن الصلاح: أو في الباب عن
النبي - صلى الله عليه وسلم -.وهذا القسم أحاديثه لا يستفاد منها الصحة إلى من علق عنه ولا تنافيها
أيضًا لكن فيها ما هو صحيح وما ليس بذلك، وهو يأتي بهذا القسم إما لكونه رواه بالمعنى، كقوله في الطب: ويُذكر عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الرُّقى بفاتحة الكتاب.
فإنه أسنده في موضع آخر بلفظ: أن نفرًا من الصحابة مروا بحي فيه لديغ، فذكر الحديث في رقيتهم للرجل بفاتحة الكتاب، وفيه: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب اللَّه.
- وإما لأنه ليس على شرطه كقوله في الصلاة: ويُذكر عن عبد اللَّه بن السائب قال: قرأ النبي - صلى الله عليه وسلم -: «المؤمنون في صلاة الصبح، حتى إذا جاء ذكر موسى وهارون - عليهما السلام - أخذته سعلة فركع، وهو صحيح أخرجه مسلم، إلا أن البخاري لم يخرج لبعض رواته».
- أو لكونه (أي البخاري) ضم للحديث ما لم يصح، فأتى بصيغة تستعمل فيهما (أي في الصحيح وغيره)، كقوله في الطلاق باب: لا طلاق قبل نكاح، عن علي بن أبي طالب، وابن المسيب، وذكر نحوًا من ثلاثة وعشرين تابعيًا أنها لا تطلق (أي لا يقع الطلاق قبل النكاح).
- وقد يورده أيضًا في الحسن، كقوله في البيوع: ويُذكر عن عثمان بن عفان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: إذا بعت فَكِلْ، وإذا ابتعت فاكتل. هذا الحديث رواه الدارقطني من طريق عبيد اللَّه بن المغيرة، وهو صدوق، عن منقذ مولى عثمان، وقد وثق، عن عثمان، وتابعه سعيد بن المسيب، ومن طريقه أخرجه الإمام أحمد في مسنده، إلا أن في إسناده ابن لهيعة، ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه من حديث عطاء عن عثمان، وفيه انقطاع، والحديث حسن لما عضده من ذلك.
- ومن أمثلته ما أورده من ذلك وهو ضعيف قوله في الوصايا: ويُذكر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قضى بالدين قبل الوصية، وقد رواه الترمذي موصولاً من طريق الحارث عن علي، والحارث ضعيف.
وهذا الضعيف (الذي لا عاضد له) قليل جدًا، وحيث يقع يتعقبه البخاري بالتضعيف، وهذه عادته في ضعيف لا عاضد له من موافقة إجماع أو نحوه، ومثال ذلك في كتاب الصلاة: ويُذكر عن أبي هريرة ورفعه: لا يتطوع
الإمام في مكانه، فقد قال عقبه: ولم يصح. وهذا الحديث أخرجه أبو داود من طريق ليث بن أبي سُليم، وهو ضعيف، وشيخ شيخه لا يعرف وقد اختلف عليه فيه.
وما أورده البخاري في الصحيح مما عبر عنه بصيغة التمريض ليس بواهٍ لإدخاله في الكتاب الموسوم بالصحيح، فإيراده في الصحيح يشعر بصحة أصله إشعارًا يؤنس به ويركن إليه.
لذا يقول ابن الصلاح: إذا تقرر حكم التعاليق المذكورة، فقول البخاري: ما أدخلت في كتابي إلا ما صح، وقول الحافظ أبي نصر السجزي: أجمع الفقهاء وغيرهم أن رجلاً لو حلف بالطلاق أن جميع البخاري صحيح، قاله رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا شك فيه لم يحنث، وقد أفتى بذلك إمام الحرمين كما ذكر العراقي في نكته على مقدمة ابن الصلاح.
واعلم أيضًا أن الحافظ ابن حجر أغلق معلقات البخاري في كتابه: تغليق التعليق.
ومن أمثلة الأحاديث المعلقة حديث المعازف الذي علقه الإمام البخاري جزمًا (أي هو صحيح بالنسبة للمضاف إليه - كما سبق). قال البخاري: وهشام بن عمار من شيوخ البخاري الذين لقيهم وسمع منهم وتحمل عنهم وعلق الحديث عنه بصيغة الجزم، وهذا لا يقتضي إسقاط راوٍ بينه وبين شيخه، وإنما هو عند أهل العلم على
الاتصال إلا ابن حزم الظاهري، خالف فقال هو منقطع. ثم ساق البخاري السند عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحِر والحرير والخمر والمعازف... وقرر إباحة المعازف ومشى على نهجه كل من أخذ بقوله، والحديث صحيح للآتي:
1-
علقه البخاري بصيغة الجزم.
2- أغلقه الحافظ ابن حجر في كتاب «تغليق التعليق».
3- أخرج الحديث الإمام أحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والبرقاني في صحيحه، والطبراني والبيهقي، مسندًا متصلاً إلى هشام بن عمار وغيره فصحَّ الحديث.
ثانيًا: الأحاديث المعلقة التي في صحيح مسلم: هي قليلة جدًا، ذكر ابن
الصلاح أنها وقعت في أربعة عشر موضعًا، وهذه المواضع الأربعة عشر وصلها مسلم نفسه في الصحيح.
قال الحافظ العراقي: فعلى هذا ليس في كتاب مسلم بعد المقدمة حديث معلق لم يصله إلاَّ حديث واحد فقط وهو حديث أبي الجهم: أقبل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نحو بئر جمل، علقه الإمام مسلم وقال: وروى الليث بن سعد...
وهذا الحديث في صحيح البخاري: أقبل النبي - صلى الله عليه وسلم - من نحو بئر جمل، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى أقبل على الجدار فمسح بوجهه ويديه ثم ردَّ السلام. [البخاري 337، تدريب الراوي، شرح نزهة النظر لابن عثيمين، تيسير مصطلح الحديث للطحان، أسئلة وأجوبة
في مصطلح الحديث للعدوي- بتصرف]
2- الحديث المعضل: وهو ما سقط من إسناده اثنان فأكثر على التوالي ومثاله؛ ما رواه الحاكم في «معرفة علوم الحديث» بسنده إلى
القعنبي عن مالك أنه بلغه أن أبا هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«للمملوك طعامه وكسوته بالمعروف، ولا يكلف من العمل إلا ما يطيق». قال الحاكم: هذا معضل عن مالك أعضله هكذا في الموطأ. وهذا الحديث معضل لأنه سقط من إسناده راويان متواليان بين مالك وأبي هريرة، وقد عرفنا أنه سقط منه هذان الاثنان من رواية الحديث خارج الموطأ هكذا: عن مالك عن محمد بن عَجْلان عن أبيه عن أبي
هريرة. والحديث المعضل حديث ضعيف وهو أسوأ حالاً من الحديث المرسل والمنقطع لكثرة المحذوفين من الإسناد، فهو مردود من جهتين: لانقطاع الإسناد، والجهالة بالرواة المحذوفين.
ويتعرف على الحديث المعضل بجمع طرق الحديث والنظر في كل راو، عن من روى، ومن الذي يروي عنه، ويمكن التعرف على الرواة الذين سقطوا من السند إذا جاء الحديث متصلاً في مكان آخر، كالمثال السابق.
وقد جعل ابن الصلاح (في المقدمة) الحديث الذي حذف منه الصحابي والنبي - صلى الله عليه وسلم - معضلاً.
ومثاله قول الأعمش عن الشعبي: يقال للرجل يوم القيامة عملت كذا وكذا، فيقول: ما عملته فيختم على
فيه فتنطق جوارحه أو لسانه، فيقول لجوارحه: أبعدكن اللَّه، ما خاصمت إلا فيكن».
[رواه الحاكم]وهذا الحديث أعضله الأعمش، وقد رواه مسلم عن الشعبي عن
أنس قال: كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فضحك فقال: «أتدرون ممن ضحكت؟ » فقلنا: اللَّه ورسوله أعلم، فقال: «من مخاطبة العبد ربه يوم القيامة، يقول: يا رب ألم تجرني من الظلم، فيقول: بلى، قال: فإني لا أجيز اليوم على نفسي شاهدًا إلا مني، فيقول: كفى بنفسك اليوم عليك شهيدًا، وبالكرام الكاتبين عليك شهودًا، فيختم على فيه، ثم يقال لأركانه انطقي... ». الحديث.