اللحظة الراهنة هي فقط حياتك، أما اللحظة التي مضت فقد انتهت، واللحظة التي ستأتي لا يمكن التأكيد بمجيئها، لأن الانسان مرشح للموت في أية لحظة.
إذن: ماذا نملك؟
اللحظة الراهنة فقط!
من هنا كان على الانسان أن يعمل في حدود اللحظة الراهنة، لا اللحظة التي ستأتي لأنها قد لا تأتي أبداً.. ولا اللحظة الماضية لأنها قد مضت إلى غير رجعة.
ولكي يعيش الانسان في حدود اللحظة الراهنة فإن عليه أن ينقطع فوراً عن التفكير في الماضي والمستقبل يجب أن يفكر في هذه اللحظة التي بين يديه ويغلق جميع الأبواب بوجه ما فاته وما سيأتيه، لأن كلا من الماضي والمستقبل ليس إلا عدماً محضاً.
وهذا بالضبط ما كان يقصده الإمام أمير المؤمنين عندما قال:
ما مضى فات وما يأتي فأين؟ قم واغتنم الفرصة بين العدمين
إن النجاح في الحياة ينحصر في نقطتين: حصر التفكير في الحاضر والعمل ضمن حدود اللحظة الراهنة. كما إن الفشل في الحياة يتعلق بأمرين:
التفكير في الماضي أو المستقبل.. وإرجاء العمل إلى الآتي.
وهذا بالضبط سر نجاح الناجحين وفشل الفاشلين، ولكي تتأكد من ذلك لاحظ الناجحين في المجتمع إنهم دائماً رجال العمل في الحاضر لا الماضي ولا المستقبل، إنهم لا يؤمنون بغير الحاضر وإذا قلنا لهم يمكن القيام بهذا العمل في اليوم القادم لأجابوا فوراً: إذن دع التفكير فيه وابدأ بالتفكير في العمل الذي يمكننا القيام به في الوقت الحاضر.
والفاشلون هم على العكس تماماً.. إنهم يقولون لك: سوف أعمل بعد ما تتهييء الفرص.. وسوف أنفق في سبيل الله بعد أن أصبح غنياً وسوف أعمل للاسلام بعد أن أتفرغ من المشاكل.
ولكن متى؟
في المستقبل.. وهذا المستقبل متى يأتي؟ إنه لا يأتي أبداً.. لأنه ليس إلا طريقة للتهرب من المسؤوليات. إنهم يؤجلون موعد العمل بهذه التبريرات يوماً بعد يوم، وكل يوم جديد ليس صالحاً للعمل عندهم.. بل الصالح هو المستقبل.
والمستقبل الصالح لا يأتي أبداً.
إنهم يعيشون للمستقبل.. يتركون الحاضر بكل ما فيه من فرص صالحة على أمل الذي لا يعرفون عنه أي شيء.
وليس هناك ما يبرر اعتمادهم على المستقبل إلا التهرب من الحاضر.. ومن المسؤوليات على أكتافهم.
إن العيش في حدود اللحظة الراهنة هو من أبرز سمات المؤمنين بالله، إنهم لا يثقون بالحياة أبداً ولذلك فهم يعملون للآخرة على أساس إنهم يموتون غداً، وفي نفس الوقت يعملون للدنيا كأنهم يعيشون أبداً فهم بذلك يطبقون وصية الإمام (ع): ((اعمل لدنياك كأنك أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)).
ولكي تحصي في الحياة، لا تثق بالحياة أبداً ولا تقولي: سوف أعمل ليل نهار في المستقبل وأحقق أهدافي وآمالي.
لأنك لا تملك هذا المستقبل الذي تتحدث عنه، وهذا الكلام ليس سوى تبريز العاجزين.
ليكن شعارك دائماً: ((اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً)).
إن كل يوم في هذه الحياة هو يوم جديد فإذا خسرت هذا اليوم.. فقد خسرته إلى الأبد ولن ينفعك أن تربح اليوم القادم لأن اليوم القادم هو يوم جديد.. وعليك أن تقوم فيه بمسؤوليات جديدة وأعمال جديدة!
في الحديث: ما من يوم يمر على ابن آدم إلا قال له ذلك اليوم: يابن آدم أنا يوم جديد، وغداً عليك شهيد فافعل فيّ خيراً وقل فيّ خيراً، أشهد لك به يوم القيامة فإنك لن تراني بعده أبداً!
وقد يعترض البعض قائلاً: أليس التخطيط للمستقبل ضرورياً مثل العمل في الحاضر؟
والجواب: صحيح إن التخطيط للمستقبل أمر ضروري، ولكن تحمل الهم من أجل المستقبل هو الذي يبعث الشقاء في حياة الانسان.
هذا بالنسبة إلى المستقبل، أما بالنسبة إلى الماضي فإن التحسر عليه هو الآخر سبب من أسباب التأخر.
يقول الإمام أمير المؤمنين (ع): ((لا تشعر قلبك الهم على ما فات فيشغلك عن الاستعداد بما هو آت))!
إن التحسر على الماضي يسبب للانسان نوعاً من الركود القاتل، إنه يجعل المرء في حالة من الحزن والتألم والضجر وكل هذه الصفات تؤدي إلى الفشل في الحياة.
إن النجاح يحتاج إلى الانطلاقة والعمل والتفائل، ولكي نحصل هذه الصفات لا بد أن نقلع عن الجزع عما فاتنا في الماضي.
إن حصر اهتمامك باللحظة الراهنة ليس فقط يضاعف إنتاجك ويوفر عليك الوقت الكثير، ولكنه بالإضافة إلى ذلك يخلصك من الكثير من أنواع القلق والاضطراب، لأن الكثير من الاضطرابات النفسية تنشأ من تذكر الماضي والتحسر عليه، فالذي خسر صفقة تجارية.. والذي مات أحد أعزاءه والذي مرت عليه فرصة ذهبية ولم يستغلها.. كل هؤلاء معرضون لأنواع مختلفة من القلق والاضطراب لأنهم يفكرون في الماضي ويتحسرون عليه، ولا يمكن أن يخلصهم شيء سوى غلق أبواب التفكير على الماضي والمستقبل والعيش ضمن حدود اليوم الحاضر.
إننا نستطيع أن نتخلص من 90% من قلقنا إذا استطعنا أن نشعر بن كل يوم يمر علينا هو يوم جديد وإن كل لحظة في هذا اليوم إنما هي لحظة جديدة منقطعة عن الماضي والمستقبل.
وإذا كان رأسمالنا في الحياة هو هذه اللحظة الراهنة فقط فعلينا أن نقوم باستغلاله فوراً، ودون أي أبطاء، ويعطينا الرسول الأكرم (ص) نموذجاً للكيفية استغلال اللحظة الراهنة في كلمة جميلة يقول فيها: ((لو كانت بيد أحدكم فسيلة وأراد أن يغرسها فقامت القيامة فليغرسها)).
هكذا يجب أن نستغل اللحظة الراهنة.. لا نقول سوف تقوم القيامة بعد لحظة وما فائدة أن أغرس هذه الفسيلة؟ إن مثل هذه التفكير هو الذي يقود الانسان إلى الفشل.
إن الانسان قد يستفيد من لحظات الفراغ القصيرة ما لا يمكن أن يستفيده في أيام طويلة، فقد يكتشف حقيقة هامة في خلال لحظة تفكير قصيرة، وقد يحصل على فكرة جيدة.. أو حكمة ثمينة في خلال لحظة قصيرة ثم ترتبط سعادته في الحياة بهذه الحكمة!
كما إن معظم الناس لهم تجارب خاصة في هذا المجال.. فهاك الكثير من الناس يكتشفون بعض الحقائق ليس في المختبرات والجامعات.. ولكن في الشارع.. في السيارة.. في السوق المزدحم بالناس لماذا؟ لأنهم يستغلون اللحظات القصيرة ويحصلون على نتائج كبيرة، وإذا أردت أن تكون من هؤلاء الناس عليك أن تتبع الوصية التالية:
أعزل الماضي عن الحاضر.
والحاضر عن المستقبل.
وعيش في حدود اللحظة الراهنة.