علامات الساعة الصغرى
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ (102) سورة آل عمران، يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1) سورة النساء، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا*يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا (70-71) سورة الأحزاب، أما بعد:
"فإن من الحقائق المقررة في ديننا الإسلامي أن يوم القيامة آت لا ريب فيه، وأن العلم بوقت وقوعه مما استأثر الله به، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ (34) سورة لقمان.
وسئل جبريل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن الساعة في الحديث المشهور كما في البخاري ومسلم قال جبريل عليه السلام: "يا محمد متى الساعة؟ فقال: (ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأحدثك عن أشراطها: إذا ولدت المرأة ربتها فذاك من أشرطها، وإذا كان الحفاة العراة رؤوس الناس فذاك من أشراطها، في خمس لا يعلمهن إلا الله إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ(34) سورة لقمان).1
غير أن الله عز وجل قد أقام علامات تدلنا على قرب الساعة ودنو أجلها، قال تعالى: فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً فَقَدْ جَاء أَشْرَاطُهَا (18) سورة محمد.
وقد قسم العلماء هذه العلامات إلى قسمين:
القسم الأول: علامات الساعة الصغرى.
القسم الثاني: علامات الساعة الكبرى."2
ونحاول في درسنا هذا تسليط الضوء على بعض علامات الساعة الصغرى.
"وهي التي تتقدم الساعة بأزمان متطاولة، وتكون من النوع المعتاد وقد يظهر بعضها مصاحباً للأشراط الكبرى.
وعلامات الساعة الصغرى كثيرة جداً ونذكر الآن شيئاً مما صح منها"3:
بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم-:
ففي الحديث عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بعثت أنا والساعة كهاتين)4. وقَرن بين السبابة والوسطى. متفق عليه.
وفي هذا إشارة إلى أن قيام الساعة قريب كقرب الإصبع السبابة من الإصبع الوسطى.
قال القرطبي -رحمه الله- وهو يتحدث عن أشراط الساعة: "أولها النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه نبي آخر الزمان وقد بعث وليس بينه وبين القيامة نبي".5
انشقاق القمر:
ومن علامات الساعة الصغرى انشقاق القمر، قال الله تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ*وَإِن يَرَوْا آيَةً يُعْرِضُوا وَيَقُولُوا سِحْرٌ مُّسْتَمِرٌّ (1-2) سورة القمر.
قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- في تفسيره عند هذه الآية: وَانْشَقَّ الْقَمَرُ: "قد كان هذا في زمان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كما ورد ذلك في الأحاديث المتواترة بالأسانيد الصحيحة، وهذا أمر متفق عليه بين العلماء أن انشقاق القمر قد وقع في زمان النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأنه كان إحدى المعجزات الباهرات".6
وقال الحافظ ابن رجب -رحمه الله-: "وقد جعل الله انشقاق القمر من علامات اقتراب الساعة كما قال تعالى: اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ وكان انشقاقه بمكة قبل الهجرة"7.8
نار الحجاز التي أضاءت أعناق الإبل ببصرى:
وقد وردت أحاديث عن النبي -صلى الله عليه وسلم- تبين أن من علامات الساعة خروج نار من أرض الحجاز تضيء منها أعناق الإبل ببصرى.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى).9
قال النووي -رحمه الله-: "خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة، وكانت ناراً عظيمة جداً، من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، تواتر العلم بها عند جميع الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة".10
وقال ابن كثير -رحمه الله-: عن الشيخ شهاب الدين أبو شامة -وكان شيخ المحدثين في زمانه وأستاذ المؤرخين في أوانه-: " أنه في سنة أربع وخمسين وستمائة في يوم الجمعة خامس جمادى الآخرة ظهرت نار بأرض المدينة النبوية في بعض تلك الأودية طول أربعة فراسخ، وعرض أربعة أميال، تسيل الصخر حتى يبقى مثل الآنك، ثم يصير كالفحم الأسود، وأن ضوءها كان الناس يسيرون عليه بالليل إلى تيماء، وأنها استمرت شهراً، وقد ضبط ذلك أهل المدينة وعملوا فيها أشعارا ".11
ظهور الفتن:
وقد دلت نصوص كثيرة صحيحة على أن من علامات الساعة كثرة الهرج، وهو القتل واللغط وظهور الفتن وانتشارها ونزولها في البلاد وكبر بلائها وهولها، حتى يمسي المرء المسلم من شدة وقعها كافراً، ويصبح مؤمنا، ويصبح مؤمنا ويمسي كافرا، وتجيء الفتنة تلو الأخرى فيقول المؤمن هذه مهلكتي ثم تنكشف وتظهر أخرى، فيقول هذه هذه، إلى أن يشاء الله، فلا يأتي زمان إلا والذي بعده شر منه، وكلما طال الزمان بأهله وبعد بهم كانت الفتن أشد ومصائبها أعظم، كما شهدت بذلك نصوص الشرع، ودلت عليه الحوادث والوقائع، فعن الزبير بن عدي قال: "أتينا أنس بن مالك رضي الله عنه فشكونا إليه ما نلقي من الحجاج فقال: "اصبروا فإنه (لا يأتي عليكم زمان إلا الذي بعده شر منه حتى تلقوا ربكم)، سمعته من نبيكم -صلى الله عليه وسلم-".12
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا ويمسي كافراً، أو يمسي مؤمناً ويصبح كافراً، يبيع دينه بعرض من الدنيا)13.14
ومن الفتن التي وقعت مقتل الخلفية الراشد عثمان رضي الله عنه، وموقعة الجمل، وموقعة صفين، وظهور الخوارج، وموقعة الحرَّة، وفتنة القول بخلق القرآن، ولا زالت الفتن تتوالى على هذه الأمة، نسأل الله المخرج.
خروج الدجالين والكذابين أدعياء النبوة
ومن أمارات الساعة وأشراطها خروج الدجالين الكذابين، الذين يدعون النبوة ويثيرون الفتنة بأباطيلهم، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- أن عدد هؤلاء قريب من ثلاثين فقال -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى يُبعث دجالون كذابون قريب من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله).15
وقد تحققت ووقعت هذه الآية والعلامة من علامات الساعة، فخرج كثير من أدعياء النبوة قديما وحديثاً، ولا يستبعد أن يظهر دجالون آخرون إلى أن يظهر الدجال الأعور الكذاب -نعوذ بالله من فتنته- فقد خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يوما فقال: (إنه والله لا تقوم الساعة حتى يخرج ثلاثون كذاباً آخرهم الأعور الدجال...).16
قلة العلم وقبضه وظهور الجهل:
ومن العلامات التي أخبر بها رسولنا الكريم -صلى الله عليه وسلم-: قلة العلم وانتشار الجهل في الأمة، حيث يكثر الفساد قبل قيام الساعة وذلك بسبب قلة العلم بل وفقده حتى يرفع المصحف من السطور والصدور.
فعن أبي موسى وعبد الله بن مسعود -رضي الله عنهما- قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن بين يدي الساعة لأياماً ينزل فيها الجهل، ويرفع فيها العلم، ويكثر فيها الهرج، والهرج: القتل).17
وعن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (إن من أشراط الساعة أن يرفع العلم، ويثبت الجهل، ويشرب الخمر، ويظهر الزنا).18
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يتقارب الزمان، وينقص العمل، ويلقى الشح، وتظهر الفتن، ويكثر الهرج) قالوا: يا رسول الله، أيم هو؟، قال: (القتل القتل).19
قطع الأرحام وسوء الجوار وظهور الفساد:
ومن علامات الساعة الصغرى التي أخبر بها الرسول -صلى الله عليه وسلم-: قطيعة الرحم وسوء الجوار وظهور الفساد والفحش، ومن الأحاديث الدالة على ذلك: ما رواه عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تقوم الساعة حتى يظهر الفحش والتفاحش وقطيعة الرحم وسوء المجاورة).20
وما في الواقع اليوم من ظهور الفساد والمنكرات جهاراً ليلاً ونهاراً خير شاهد على صدق مقال النبي -صلى الله عليه وسلم-.
وكذلك تقطع الأرحام وسوء الجوار بين المتجاورين، فربما مات المسلم ثم لا يعرف جاره موته وهذا حاصل -والله- غير مخفي، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
كثرة الزلازل وظهور الخسف والقذف والمسخ الذي يعاقب الله به بعض هذه الأمة:
ومن العلامات التي أخبر بها الرسول -صلى الله عليه وسلم-: كثرة الزلازل، وظهور الخسف، والقذف، والمسخ، وقد دل على هذا الأحاديث الثابتة عنه -صلى الله عليه وسلم-، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (لا تقوم الساعة حتى يقبض العلم وتكثر الزلازل...).21
وعن عائشة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (يكون في آخر هذه الأمة خسف، ومسخ، وقذف) قالت: قلت: يا رسول الله، أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: (نعم، إذا ظهر الخبث).
يقول الحافظ ابن حجر: "وقد وقع في كثير من البلاد الشمالية والشرقية والغربية كثير من الزلازل، ولكن الذي يظهر أن المراد بكثرتها شمولها ودوامها".22
وقد كثرت الزلازل في هذه الأيام فلا تكاد تسمع إلا بزلزال في مكان كذا أو مكان كذا، وما الزلزال الذي أصاب أجزاء من دولة الفرس عنا ببعيد، والذي مات فيه آلاف الناس.
وكذلك ما أصاب غيرها من البلدان من خسف وأعاصير في أمريكا وغيرها.
ومن العلامات ختمُ النبوة والرسالة بمحمد -صلى الله عليه وسلم-، وموته، وفتح بيت المقدس، واتباع سَنَن الأم الماضية من اليهود والنصارى.
ومنها وضع الأَحاديث المكذوبة على رسول الله-صلى الله عليه وسلم-ورفض سُنته، وكثرة الكذب، وعدم التثبت في نقل الأَخبار، والتماس العلم عند الأَصاغر، وذهاب الصالحين، ونقض عُرى الإِسلام عُروة عُروة، وتداعي الأُم على أُمة محمد -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- ثم غُربةُ الإِسلامِ وأَهله.
هذه بعض العلامات الصغرى لقيام الساعة، وأغلبها قد وقع ولم يبق إلا النزر اليسير، فنسأل الله تعالى أن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم إنا نعوذ بك من درك الشقاء، وسوء القضاء وشماتة الأعداء، اللهم إنا نعوذ بك من خزي الدنيا وعذاب الآخرة، يا أرحم الراحمين. اللهم احشرنا في زمرة نبينا محمد عليه الصلاة السلام. والحمد لله رب العالمين.